المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم تصدر كتاب علم النفس والفضاء من تأليف يوري جاجارين بالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية
تشارك المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم الإحتفالات بيوم الفضاء الذي يجري في يوم الأحد السادس عشر من إبريل بمركز إعداد القادة بالعجوزة وتنظمه وكالة الفضاء المصرية وبهذه المناسبة فقد أصدرت المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم بالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية طبعة خاصة من كتاب علم النفس والفضاء من تأليف رائد الفضاء السوفييتي الأول يوري جاجارين وشاركه في تأليفه عالم النفس السوفييتي المشهور ليبيديف .
يتضمن الكتاب عرضاً للتجربة الفريدة التي يمربها رواد الفضاء في سبيل إعدادهم لإقتحام الفضاء من خلال تجربة رائد الفضاء الأول يوري جاجارين .
يعد هذا الكتاب واحداً من الكتب الفريدة في مجالها بل ربما يكون الكتاب الوحيد المترجم الي اللغة العربية في هذا السياق . هكذا سجل الدكتور حسين الشافعي رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم في مقدمته في هذا الكتاب ، مستطرداً ان مصدر فرادة هذا الكتاب يتعلق بشقين أساسيين: الأول: موضوعه، والثاني: واضعيه.
فأمّا بالنسبة إلى الشق الأول، فالمعلوم أن الاتحاد السوفيتي السابق، كان أول من اجتاز أعماق الفضاء الكوني، وخرج بالإنسان إلى هذا العالم الفسيح، المجهول، الذي بلا نهاية ولا تحده حدود، مُحققاً حُلماً بشرياً طال انتظاره، وتَعّذَّر مناله، حتى قُيِّض له أن يرى النور، بعد تجارب شاقة، وجهود حثيثة، حين نجح، يوم 12 أبريل عام 1961، في إرسال رائد الفضاء السوفيتي الأول، «يورى جاجارين»، إلى «الفضاء الخارجي»، على متن مركبة الفضاء «فوستوك ـ 1»، مُدَشِّناً عهداً من الفتوحات العلمية لم يسبق للبشرية معاينته، أو امتلاك القدرة علي سبر أغواره!
كانت «مبادرة»، أو «مُخاطرة» إرسال إنسان لاقتحام «الفضاء الخارجي» أول خطوة يقطعها الإنسان، في هذه المسيرة الأسطورية، لاختراق أعماق هذا المجال الذي لم يسبق لبشرٍ اجتيازه، للتعرُّف على مكوناته، واختبار كُنهه، والاصطدام بتحدياته، وافتتحت هذه الرحلة الأسطورية، التي كان لها أصداء عالمية، سلسلة من الرحلات والتطورات، لا زالت مُستمرة حتى اليوم، قادها الاتحاد السوفيتي السابق (فروسيا الحالية)، والولايات المتحدة الأمريكية من بعده، بإرسال محطات مدارية، ومكوكات فضائية، ورحلات مشتركة، وساهمت في هذه المسيرة الصاعدة دول غربية وآسيوية أخرى، آخرها الصين، التي أعلنت مؤخراً عن إرسالها لـ «مسبار فضائي» متطور، بهدف التعرُّف على طبيعة «الجانب المُظلم من القمر».
وتعود هذه النجاحات، في ملف اقتحام الفضاء الكوني، إلى الرحلة التأسيسية الأولي، رحلة «يوري جاجارين»، التي كانت أول تجربة خاضها الإنسان لـ «التحرر» من أسر جاذبية الأرض، والانطلاق إلى أجواز الكون الواسع وفضائه الفسيح!
ولأنها كانت التجربة الأولي، فقد احتاجت إلى جهود مُضاعفة للتحقُّق المُسبق من نجاح كل خطوة مقطوعة، واقتضت تدريبات شاقة، وابتكارات ـ علمية وتكنيكية ـ غير مسبوقة، وعمل دائم، وجهد متواصل، لضمان أن تُكلل هذه التجربة الإنسانية العظيمة بالفوز، وأن يعود ربّانها الأول بسلامة إلى أرض الوطن، خاصةً وأن أصحابها لم يتوفر لهم خبرة سابقة يهتدون بها، أو تجربة قديمة يُعَوِّلون عليها، بل كانوا يخطون في المجهول دون أن توجِّههم، في هذا المسار الصعب، أية إشارات تُرشدهم، أو منارات تُضيئ لهم، وتُخَفِّف من جهامة الطريق، ولذلك كان عليهم أن يبتكروا كل ما يحتاجونه من أدوات ومُعدّات وأجهزة، من الألف إلى الياء.
وقد شارك في هذا الإنجاز العظيم فريق كبير من أساطين العلماء والمُصممين، والطيارين والمُدربين، والخبراء والمهندسين، والأطباء والأخصائيين، والعمال والفنيين، السوفييت، الذين شكَّلوا فريق عمل جبّار عزف هذه السيمفونية البديعة، التي جسّدت إرادة الإنسان على تحدى المجهول، وتحقيق الانتصار.
وإذا كانت المعرفة الإنسانية، العلمية والتقنية، اللازمة لنقل البشر إلى «الفضاء الخارجي»، والتي تكفل سلامة رائد الفضاء، البدنية والعضوية، قد تحققت، قبل إطلاق «فوستوك ـ 1»، وملّاحها «يورى جاجارين»، بتطور تقنيات الطيران الجوي، وأدوات التحكُّم فيها، فقد كان هناك جانب لا يقل أهمية أو خطورة، حجم المعلوم فيه محدودٌ للغاية، ذلك هو الجانب المُتَعَلَّق بالتأثيرات النفسية الحادّة، والمُتَقَلِّبة، التي يمكن أن يعانيها روّاد الفضاء، بسبب الفترات الطويلة التي يمضونها منفردين، محبوسين، في قَمَرَةٍ مُحكمة، دائرية ككرةٍ من الفولاذ، قُطرها لا يتعدى 2,3 متراً، وحجمها الكُلى لا يتجاوز الستة أمتار المُكَعَّبة، تُحيط بهم جُدرانها المعدنية المُصمتة، مُعلقين بين الفضاء والأرض، مُحاصرين بالظلام والصمت الرهيبين من كل جانب، لا يتحدثون لأحدٍ، ولا يستمعون لصوتٍ، بينما تتحرك هذه الكرة بسرعة رهيبة، وتبلغ حرارة الهواء المُحيط عند دخولها طبقات المجال الجوي الأرضي، عشرة آلاف درجة مئوية!
وفضلاً عن ذلك، فإن حياة الروّاد الفضائيين، المُمتدة لفترات طويلة أثناء التحليق في الفضاء الكوني، تُعَرِّضهم إلى مؤثراتٍ صعبة، نتيجةً للظروف غير الطبيعية التي يُواجهونها أثناء التحليق الكوني، كظروف انعدام الوزن، ومحدودية النشاط، وتغيُّر عادات الحياة والنوم والعمل، والبقاء لفترات طويلة في مجال مغلق ومحدود وضيِّق، وغياب التواصل المُعتاد مع العالم الخارجي، الأمر الذي يتسبب في خلق مُشكلات سيكولوجية عديدة، تُلقى بثقلها على الملّاحين الكونيين، وتحتاج إلى إعدادٍ خاص، وتهيئةٍ متميِّزة، تُعينهم على التغلُّب علي هذه المخاطر المُحتملة!
إن بقاء رائد الفضاء وحده، في هذا الفضاء السحيق، بلا مُعين أو مُساعد، احتاج إلى تجهيزه علمياً وتقنياً، بحيث يقترب من أن يمتلك معرفةً «موسوعية» بكل أفرع العلوم والتكنولوجية الرئيسية، التي توفِّر له الحد الكافي من الإمكانيات لمواجهة أية أعطال في الأجهزة، أو اضطرابات، أو ظروف طارئة، بدنية أو نفسية، يتعرّض لها رائد الفضاء، وهو وحده في عمق هذا الكون الرهيب، انطلاقاً من المقولة المهمة التي سجّلها الكتاب: «إن الفضاء لا يُحب المزاح، ويجب مُعاملته بكل جدٍ»!
ولذا فالكتاب يستعرض، بشكلٍ شامل، الكيفية التي يُتم بها العلماء عملية تحضير روّاد الفضاء لأداء مهمتهم الخطرة بشكلٍ صائب، ولكي يضمنوا أمنهم وسلامتهم، وهم على مبعدة مئات الآلاف من الكيلومترات عن موئلهم الأرضي، ذلك أن «قهر الفضاء الكوني»، كما يقول «جاجارين»: «أمرٌ لا يقوم إلّا على أکتاف مجتمع أحرز تقدماً كبيراً في العلم والتكنيك، وحيث أن جميع الاجهزة والآلات الكونيّة هي تعبير مُجَسَّد عن إنجازات المجتمع العلمية والتكنيكية، فيجب على رائد الفضاء أن يكون في مستوى هذه المُنجزات. وهذا يتطلّب منه أن يعرف الكثير وأن يُحسن القيام بالعديد من الأعمال. وعليه أن يكون مُطَّلِعَاً على آخر الاكتشافات العلمية، وأن يعرف ما يجري اليوم في أفضل المختبرات ومكاتب التصميم وفي معاهد البحث العلمي والمصانع.
فطريق الكون لا ينفتح إلا لمن لديه ثقافة شاملة! إن التمكن من ذرى العلم في أيامنا هذه أمر ليس باليسير أبداً».
أما عن واضعي هذا الكتاب، فأولهم رائد الفضاء السوفيتي، وأسطورة اجتياز الفضاء الكوني الأول، «يوري جاجارين» ذاته، الذي أنهي دراسته في أكاديمية «جوكوفسكي» للهندسة الجوية العسكرية، والذي سبق وأن قدّم للمكتبة السوفيتية العديد من الكتب والتآليف حول تجربته الفريدة، و»قد شاءت المقادير، كما يذكر الناشر الروسي، أن يكون هذا الكتاب بمثابة وصية رائد الفضاء الأول، إذ وَقّعَ مسودته النهائية قبل مصرعه الفاجع في 25 مارس عام 1968 بيومٍ واحد!».
ويُذكر أن الملّاح الكوني «يوري جاجارين»، حلَّ، بحفاوة شديدة، ضيفاً على مصر عام 1962، حيث قلّده الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» أرفع وسام مصري: «قلادة النيل»: «تقديراً لبطولته، وخدماته للعلم».
أما واضع الكتاب الثاني، فهو البروفيسور «فلاديمير ليبيديف»، الطبيب والدكتور في فلسفة العلوم الطبية وأخصائي في علم النفس الفضائي»، ونشرَ مقالات علمية في مختلف المجلات المتخصصة.
وإذ غدت مصر من دول العالم المشاركين في الإستفادة بعلوم وتقنيات الفضاء بإطلاقها مجموعة من الأقمار للاستشعار من البعد، والإتصالات، وأقمار البحث العلمي بجهود شبابها المخلصين العاملين بوكالة الفضاء المصرية والهيئات العلمية التابعة لها، تنشر «المؤسسة المصرية ـ الروسية للثقافة والعلوم هذا الكتاب القيِّم، والنادر، وبالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية، آملين أن تُسهم بإضافة متميزة لمجموعة الكتب التي تصدرها المؤسسة، وتُعد لنشرها، في سلسلتي «الموسوعة العلمية المصورة للناشئة، و»العلم للجميع»، لتسهم بقسطها المطلوب في إنارة هذا الجانب من المعارف العلميّة الضرورية، الخاصة بالتحليق الكوني، وثقافة ريادته، آملين أن يأتي اليوم، قريباً، لكي نشهد بأم أعيننا، رائد فضاء مصري، يحمل راية وطننا الخفّاقة، ليجتاز بها أعماق الفضاء، إلى ذرى غير مسبوقة.
يذكر أن المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم كانت قد وقعت بروتوكول للتعاون مع وكالة الفضاء المصرية للتعاون في نشر الكتب الثقافية والعلمية ذات الصلة للفضاء .
يأتي هذا العمل في إطار مبادرة الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين بإعلان عام 2020 عاما للثقافة المصرية الروسية .
ومن الجدير بالذكر أن ندوات حول " علم النفس والفضاء " سوف تتم خلال إبريل القادم يوم الفضاء الروسي بالمركز الروسي للثقافة والعلوم بالقاهرة والاسكندرية يحاضر فيها الدكتور حسين الشافعي حول هذا الإصدار .